الضفة الغربية – إلى الجنوب من مدينة الخليل، وفي قريتهم الصغيرة ‘الهجرة’ يعيش أفراد عائلات ‘الرجوب’ و’مشارقة’ و’دودين’ ساعات من الانتظار الطويل في حيرة بين اختيار أن تأتي جرافات الاحتلال الصهيوني لتسوي منازلهم بالأرض، وما بين الاستجابة لأوامر الاحتلال بهدم منازلهم بأيديهم بدعوى البناء بدون ترخيص، أو لمخالفتها شروط سياسة قوات الاحتلال الصهيوني للإسكان.
ففي سابقة هي الأولى من نوعها بالضفة الغربية، أقدمت قوات الاحتلال أواخر نوفمبر 2009 على تسليم 5 بيوت من العائلات الفلسطينية الثلاث في قرية ‘الهجرة’، أوامر تطالبهم بهدم منازلهم بأيديهم، وإلا فإن جنود الاحتلال ستقوم بهدمها بجرافاتها مقابل تغريم أصحاب البيوت المهدومة مبالغ مالية طائلة كتكاليف الآليات والحراسات التي ستشارك بالهدم.
جمال الرجوب، وخالد مشارقة، وناصر مشارقة، وبلال مشارقة، وغازي دودين، منهم من كان قد انتهى من بناء منزله وأصبح يأوي أطفاله، ومنهم في نهايات التشطيب لبيت العمر، لكن الاحتلال بخر هذا الحلم وأصبح كابوسا.
وتقسم الضفة بموجب اتفاق أوسلو إلى 3 مناطق أ وب وج. وقرية الهجرة تقع ضمن المنطقة المصنفة ‘ب’ والتي تكون خاضعة إداريا للسلطة الفلسطينية وأمنيا للاحتلال. وبالنسبة لمنطقتي ‘أ’ و’ ج’ ، فتخضع الأولى أمنيا وإداريا للسلطة ، بينما الثانية خاضعة أمنيا وإدرايا للاحتلال.
كما تقع القرية بمحاذاة شارع إلتفافي يسلكه مستوطنون، يربط عدة مناطق مختلفة، وهو أيضا قريب من معسكر للجيش الصهيوني، إضافة إلى وجود عدة مستوطنات لكنها بعيده نوعا ما، بحسب مراسل إسلام أون لاين.
حرمان البيت
يجلس غازي دودين بالقرب من منزله في انتظار الهدم ويقول: ‘هذا البيت طوال حياتي وأنا أحلم ببنائه على هذه الأرض، وأنا اليوم محير في هدمه بيدي أم تهدمه جرافات الاحتلال’.
ويضيف: ‘إن هدمته بيدي سأعيش طوال حياتي أعاني من هذا الهاجس، وإن انتظرت حتى تأتي جرافات الاحتلال لتهدمه أيضا سأعاني طوال حياتي في جمع المال الذي سيتم فرضه علي كتكاليف لعملية الهدم’.
بكلمات حزينة، يتساءل دودين مستنكرا: ‘أي نوع من العذاب يحاول الاحتلال أن يمارسه علينا، ألا يكفي ما يفرضه علينا من عذابات وقهر وإغلاق وحواجز واعتداءات المستوطنين اليومية؟’.
ويرى دودين أن الاحتلال يحاول أن ‘يقتل الفرحة في نفوس هذه العائلات، خاصة أنه كان بالإمكان أن يتم إبلاغهم قبل بناء البيت أو في مراحله الأولى بأن هذا المكان لا يجوز البناء فيه أو أن البناء غير قانوني’.
وتعمد قوات الاحتلال في غالبية الأحيان لإصدار أمر الهدم بعد أن ينتهي صاحب البيت من إتمام بناء منزله، في خطوة يراها مراقبون أنها محاولة لـ’قتل الحلم والأمل في نفوس الفلسطينيين’.
سابقة أولى
جمال العملة، مدير مركز أبحاث الأراضي المتابع للانتهاكات الصهيونية بالضفة الغربية، يرى أن إقدام الاحتلال على مثل هذا النوع من أوامر هدم البيوت ‘سابقة من نوعها؛ إذ إنها لم تكن مطبقة بالضفة الغربية، وإنما تطبق منذ نحو عامين فقط في مدينة القدس المحتلة’.
وعن الأهداف التي يسعى الاحتلال تحقيقها من هذه السياسة، يقول العملة لـ’إسلام أون لاين.نت’: ‘هي محاولة لخلق انطباع لدى المراقب الدولي أن الفلسطيني قام بتنفيذ أمر الهدم بيده لأنه على خطأ، وأن ما فرض عليه هو أمر قانوني ولا علاقه له بانتهاك للحقوق’.
825 أمر هدم
ووفقا للعملة، فإن سياسة هدم المنازل في الضفة الغربية بدأت تتصاعد بشكل هجومي كبير في 2009، مشيرا إلى أنه ‘منذ بداية العام 2009 وحتى نهاية أكتوبر الماضي تم تسليم أوامر هدم لـ 825 عائلة فلسطينية شملت منازل سكنية ومنشآت، عدد منها تم تنفيذه بالفعل، وباقي الأوامر بانتظار انتهاء إجراءات الهدم’.
واعتبر مدير مركز أبحاث الأراضي أن الكيان الصهيوني يحاول من خلال سياسة هدم البيوت تنفيذ ‘سياسة القضم التدريجي للأراضي الفلسطينية، وهو ما قد يساعدها على وضع ملامح أي حل سياسي مستقبلي وفقا لرؤيتها على الأرض’.
ومتفقا معه، قال عبد الهادي حنتش، الخبير في شئون الاستيطان وعضو اللجنة الوطنية للدفاع عن الأراضي الفلسطينية: ‘الاحتلال بدأ اعتماد هذا النوع من قرارت التهجير والهدم كوسيلة تضليل للرأي العام العالمي، إلى جانب وسيلة ضغط على الفلسطينيين للتهجير الذاتي عن الأرض’.
وتابع في تصريحات لـ’إسلام أون لاين.نت’: الكيان الصهيوني يحاول تحجيم التمدد الجغرافي لمحافظات الضفة الغربية حتى تبقي على حالة فراغ تمكنها في المستقبل من إحداث تمدد جغرافي للمتسوطنات، وهي في هذه الحالة توفر رصيدا مستقبليا لتمدد الاستيطان’.
سهيل خليلية، مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد الأبحاث التطبيقية (اريج)، اعتبر بدوره أن سياسة هدم المنازل بأيدي أصحابها هو محاولة ‘لوضع نوع من الشرعية والقانونية على ما يقوم به الاحتلال من عمليات تهجير للفلسطينيين حتى لا تظهر أنها تستهدف الفلسطيني لذاته’.
ويوجد حاليا في الضفة 145 مستوطنة تضم 300 ألف مستوطن، بجانب 15 مستوطنة في القدس تضم 193 ألف مستوطن، إضافة إلى 116 بؤرة استيطانية، بعدما كان عددهم عام 1993؛ حيث توقيع اتفاق أوسلو للسلام، 105 آلاف مستوطن في الضفة، و153 ألفا في القدس المحتلة.