أخبار عاجلة
الرئيسية / events / حكم إخراج صدقة الفطر نقداً

حكم إخراج صدقة الفطر نقداً

نظراً لتكرر الاختلاف في هذه المسألة مما يحوج إلى تكرار نشرها؛ تعميماً للفائدة، ودفعاً للشبهة. وعليه؛ فعند العودة إلى كتب الفقه وجدتهم قد بحثوا هذه المسألة الفقهية التي طالما طال حولها النقاش، واتسع حولها البحث، واشتد حولها الجدال، تلكم هي مسألة اخراج زكاة الفطر نقدا أو قيمة، وهذا ما أود بحثه من خلال ما يلي:
1- يقصد بالقيمة إخراج زكاة الفطر نقداً بدلاً من إخراجها من الأصناف المذكورة في الحديث وهي: القمح والشعير والتمر والزبيب والإقط «الجميد».
2- اختلف الفقهاء في حكم إخراج القيمة، فذهب الآئمة الثلاث مالك والشافعي وأحمد في رواية؛ إلى عدم جواز إخراج القيمة في صدقة الفطر، وانظر مذاهب هؤلاء في: (تسهيل المسالك: 3/771) في المذهب المالكي، و(المجموع للنووي: 5/110/111)، و(كفاية الأخيار للحصني: 1/120) في مذهب الشافعي، و(المغني مع الشرح الكبير:2/661) في المذهب الحنبلي، وانظر في فقه الخلاف و(الإفصاح لابن هبيرة:1/232).
وهو مذهب أهل الظاهر كما في (المحلى: 6/130).
3- وذهب آخرون إلى جواز إخراج القيمة في صدقة الفطر، وهو قول كل من: الثوري وأبو حنيفة وعمر بن عبدالعزيز والحسن البصري، كما في (المغني: 2/662) ورواه ابن أبي شيبة في (المصنف: 2/298/399) عن عمر بن عبدالعزيز والحسن وعطاء، وعزاه ابن حزم في (المحلى: 6/130/131) إلى طاووس ومجاهد وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبدالرحمن وسعيد بن جبير والأوزاعي والليث، وقال ابن عابدين في (الحاشية:2/78): وهو المفتى به، وقال الإمام العيني في عمدة (القاري:9/8) ثم اعلم أن الاصل في هذا الباب أن دفع القيمة في الزكاة جائز عندنا، وكذا في الكفارة وصدقة الفطر والعشر والخراج والنذر، وهو قول عمر وابنه عبدالله وابن مسعود وابن عباس ومعاذ وطاووس، وقال الثوري يجوز إخراج العروض في الزكاة اذا كانت بقيمتها، وهو مذهب البخاري، وإحدى الروايتين عن أحمد، ولو أعطى عرضاً عن ذهب وفضة قال أشهب: «يجزيه»، وقال الطرطوشي: هذا قول بين في جواز إخراج القيم في الزكاة، قال: وأجمع أصحابنا (المالكية) على أنه لو أعطى فضة من ذهب أجزأ، وكذا إذا أعطى درهماً من فضة عند مالك، وقال سحنون: لا يجزيه وهو وجه للشافعية، وأجاز ابن حبيب دفع القيمة إذا رآه أحسن للمساكين.
4- هذا وقد استدل المانعون بما يلي:
أ- حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين (رواه البخاري ومسلم).
ب- حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من إقط (رواه البخاري ومسلم).
قالوا ومعلوم أن وقت هذا التشريع، وهذا الإخراج كان يوجد بين المسلمين، وبخاصة مجتمع المدينة، الدينار والدرهم اللذان هما العملة السائدة آنذاك، ولم يذكرهما صلوات الله وسلامه عليه، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولو وقع ذلك لفعله أصحابه.
5- واستدل القائلون بجواز إخراج القيمة بما يلي:
– حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه السابق وفيه: فلم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية بن أبي سفيان حاجاً أو معتمراً، فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى أن مدّين من سمراء الشام – حنطة الشام – تعدل صاعاً من تمر، فأخذ الناس بذلك. قال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه أبداً ما عشت.
والمقصود هنا بالناس: الصحابة، وهو دال على جواز إخراج القيمة؛ لأن معاوية قد قوّم صاع التمر بمُدّين من سمراء الشام، فكانت قيمة له، وقد أخذ بهذا الصحابة سوى أبي سعيد.
– وقال البخاري في صحيحه: باب العروض في الزكاة، وقال طاووس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: ائتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم، وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة (رواه البخاري معلقاً)، وانظر كلام الحافظ بن حجر في «الفتح» في تقوية البخاري لهذا الحديث وتعضيده له.
وفي الاستدلال بهذا الحديث يقول الشيخ احمد الغماري رحمه الله في كتابه (تحقيق الآمال: 52): «ومعلوم أن معاذاً كان يرسل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه متولي الصدقة، ومفرقها على الفقراء بالمدينة، وقد قبل ذلك وأقره عليه».
– وعن أبي اسحق قال: أدركتهم وهم يعطون في صدقة الفطر الدراهم بقيمة الطعام انظر (المصنف لابن أبي شيبة: 2/398/399).
ويقول الشيخ الغماري في (تحقيق الآمال:47): وأبو إسحاق هذا هو عمرو بن عبدالله السبيعي، من الطبقة الوسطى من التابعين أدرك علياً وجماعة من الصحابة، وهو يحكي عنهم، ويثبت أن ذلك كان معمولاً في عصرهم.
– يقول الدكتور القرضاوي في كتابه (فقه الزكاة:2/949): ومما يدل لهذا القول أن النبي صلى عليه وسلم قال: أغنوهم يعني المساكين في هذا اليوم، والإغناء يتحقق بالقيمة كما يتحقق بالطعام، وربما كانت القيمة أفضل، إذ كثرة الطعام عند الفقير تحوجه إلى بيعه، والقيمة تمكنه من شراء ما يلزمه من الأطعمة والملابس والحاجات.
– ويقول: والذي يلوح لي أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما فرض زكاة الفطر من الأطعمة لسببين: الأول لندرة النقود عند العرب في ذلك الحين فكان إعطاء الطعام أيسر للناس، والثاني: ان قيمة النقود تختلف وتتغير قوتها الشرائية من عصر إلى عصر، بخلاف الصاع من الطعام، فإنه يشبع حاجة البشرية المحددة، كما أن الطعام كان في ذلك العهد أيسر على المعطى، وانفع للآخر، والله أعلم بالصواب.
6- وبعد هذا؛ فإن الرأي الراجح عندي والذي أفتي به هو قول القائلين بجواز إخراج زكاة الفطر نقداً، وهو ما أفتى به كثير من العلماء المعاصرين، وذلك لقوة دليلهم، ولما يلحق الفقير من اليسر بهذا الرأي، والله تعالى أعلم.

عن admin2

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*